الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن **
وقال تعالى:
وكل هذه الآيات القرآنية تدل على أن الأنثى ناقصة بمقتضى الخلقة والطبيعة، وأن الذكر أفضل وأكمل منها.
ومعلوم عند عامة العقلاء: أن الأنثى متاع لا بد له ممن يقوم بشؤونها ويحافظ عليه.
وقد اختلف العلماء في التمتع بالزوجة: هل هو قوت؟ أو تفكه؟ وأجرى علماء المالكية على هذا الخلاف حكم إلزام الابن بتزويج أبيه الفقير قالوا: فعلى أن النكاح قوت فعليه تزويجه؟ لأنه من جملة القوت الواجب له عليه. وعلى أنه تفكه لا يجب عليه على قول بعضهم. فانظر شبه النساء بالطعام والفاكهة عند العلماء. وقد جاءت السنة الصحيحة بالنهي عن قتل النساء والصبيان في الجهاد. لأنهما من جملة مال المسلمين الغانمين. بخلاف الرجال فإنهم يقتلون.
أن المرأة الأولى خلقت من ضلع الرجل الأول. فأصلها جزء منه. فإذا عرفت من هذه الأدلة: أن الأنوثة نقص خلقي، وضعف طبيعي ـ فاعلم أن العقل الصحيح الذي يدرك الحكم والأسرار، يقضي بأن الناقص الضعيف بخلقته وطبيعته، يلزم أن يكون تحت نظر الكامل في خلقته، القوي بطبيعته. ليجلب له ما لا يقدر على جلبه من النفع، ويدفع عنه ما لا يقدر على دفعه من الضر. كما قال تعالى:
وإذا علمت ذلك ـ فاعلم أنه لما كانت الحكمة البالغة، تقتضي أن يكون الضعيف الناقص مقومًا عليه من قبل القوي الكامل، اقتضى ذلك أن يكون الرجل ملزمًا بالإنفاق على نسائه، والقيام بجميع لوازِمهن في الحياة. كما قال تعالى:
ألا ترى أن الضعف الخلقي والعجز عن الإبانة في الخصام عيب ناقص في الرجال،
مع أنه يعد من جملة محاسن النساء التي تجذب إليها القلوب. قال جرير: إن العيون التي في طرفها حور قتلنا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به وهن أضعف خلق الله أركانا
وقال ابن الدمينة: بنفسي وأهلي من إذا عرضوا له ببعض الأَذى لم يدر كيف يجيب
فلم يعتذر عذر البريء ولم تزل به سكتة حتى يقال مريب
فالأول ـ تشبب بهن بضعف أركانهن والثاني ـ بعجزهن عن الإبانة في الخصام. كما قال تعالى:
فلتعلمن أيتها النساء اللاتي تحاولن أن تكن كالرجال في جميع الشؤون أنكن مترجلات متشبهات بالرجال، وأنكن ملعونات في كتاب الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. وكذلك المخنثون المتشبهون بالنساء، فهم أيضًا ملعونون في كتاب الله على لسانه صلى الله عليه وسلم، ولقد صدق من قال فيهم:
وما عجب أن النساء ترجلت ولكن تأنيث الرجال عجاب
واعلم وفقني الله وإياك لما يحبه ويرضاه. أن هذه الفكرة الكافرة، الخاطئة الخاسئة، المخالِفة للحس والعقل، وللوحي السماوي وتشريع الخالق البارِىء. من تسوية الأنثى بالذكر في جميع الأحكام والميادين. فيها من الفساد والإخلال بنظام المجتمع الإنساني ما لا يخفى على أحد إلا من أعمى الله بصيرته. وذلك لأِن الله جلَّ وعلا جعل الأنثى بصفاتها الخاصة بها صالحة لأنواع من المشاركة في بناء المجتمع الإنساني، صلاحًا لا يصلحه لها غيرها، كالحمل والوضع، والإرضاع وتربية الأولاد، وخدمة البيت، والقيام على شؤونه. من طبخ وعجن وكنس ونحو ذلك. وهذه الخدمات التي تقوم بها للمجتمع الإنساني داخل بيتها في ستر وصيانة، وعفاف ومحافظة على الشرف والفضيلة والقِيم الإنسانية ـ لا تقل عن خدمة الرجل بالاكتساب. فزعم أولئك السفلة الجهلة من الكفار وأتباعهم: أن المرأة لها من الحقوق في الخدمة خارج بيتها مثل ما للرجل، مع أنها في زمن حملها ورضاعها ونفاسها، لا قدر على مزاولة أي عمل فيه أي مشقة كما هو مشاهد. فإذا خرجت هي وزوجها بقيت خدمات البيت كلها ضائعة: من حفظ الأولاد الصغار، وإرضاع من هو في زمن الرضاع منهم، وتهيئة الأكل والشرب للرجل إذا جاء من عمله. فلو أجروا إنسانًا يقوم مقامها، لتعطل ذلك الإنسان في ذلك البيت التعطل الذي خرجت المرأة فرارًا منه. فعادت النتيجة في حافرتها على أن خروج المرأة وابتذالها فيه ضياع المروءة والدين. لأن المرأة متاع، هو خير متاع الدنيا، وهو أشد أمتعة الدنيا تعرضًا للخيانة.
لأن العين الخائنة إذا نظرت إلى شيء من محاسنها فقد استغلت بعض منافع ذلك الجمال خيانة ومكرًا. فتعريضها لأَن تكون مائدة للخونة فيه ما لا يخفى على أدنى عاقل. وكذلك إذا لمس شيئًا من بدنها بدن خائن سرت لذة ذلك اللمس في دمه ولحمه بطبيعة الغريزة الإنسانية. ولاسيَّما إذا كان القلب فارغًا من خشية الله تعالى، فاستغل نعمة ذلك البدن خيانة وغدرًا. وتحريك الغرائز بمثل ذلك النظر واللمس يكون غالبًا سببًا لما هو شر منه. كما هو مشاهد بكثرة في البلاد التي تخلت عن تعاليم الإسلام، وتركت الصيانة. فصارت نساؤها يخرجن متبرِّجات عاريات الأجسام إلا ما شاء الله. لأن الله نزع من رجالها صفة الرجولة والغيرة على حريمهم. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم? نعوذ بالله من مسخ الضمير والذوق، ومن كل سوء، ودعوى الجهلة السفلة: أن دوام خروج النساء بادية الرُّؤوس والأعناق والمعاصم، والأذرع والسوق، ونحو ذلك يذهب إثارة غرائز الرجال. لأن كثرة الإمساس تذهب الإحساس. كلام في غاية السقوط والخسة. لأن معناه: إشباع الرَّغبة مما لا يجوز، حتى يزول الأرب منه بكثرة مزاولته، وهذا كما ترى. ولأن الدوام لا يذهب إثارة الغريزة باتفاق العقلاء. لأن الرجل يمكث مع امرأته سنين كثيرة حتى تلد أولادهما، ولا تزال ملامسته لها، ورؤيته لبعض جسمها تثير غريزته. كما هو مشاهد لا ينكره إلا مكابر:
لقد أسمعت لو ناديتَ حيا ولكن لا حياة لمن تنادي
وقد أَمر رب السموات والأرض، خالق هذا الكون ومدبر شؤونه، العالم بخفايا أموره، وبكل ما كان وما سيكون ـ بغض البصر عما لا يحل. قال تعالى:
ونهى المرأة أن تضرب برجلها لتسمع الرجال صوت خلخالها في قوله:
ومن هدي القرآن للتي هي أقوم: ملك الرقيق المعبر عنه في القرآن بملك اليمين في آيات كثيرة. كقوله تعالى:
وقوله:
فالمراد بملك اليمين في جميع هذه الآيات ونحوها: ملك الرقيق بالرق. ومن الآيات الدالة على ملك الرقيق قوله:
وسبب الملك بالرق: هو الكُفر، ومحاربة الله ورسوله. فإذا أقدر الله المسلمين المجاهدين الباذلين مهجهم وأموالهم، وجميع قواهم، وما أعطاهم الله لِتكون كلمة الله هي العليا على الكفار ـ جعلهم ملكًا لهم بالسبي. إلا إذا اختار الإمام المن أو الفداء. لما في ذلك من المصلحة على المسلمين.
وهذا الحكم من أعدل الأحكام وأوضحها وأظهرها حكمة. وذلك أن الله جلَّ وعلا خلق الخلق ليعبدوه ويوحدوه، ويمتثلوا أوامره ويجتنبوا نواهيه. كما قال تعالى:
كما قال:
فعاقبهم الحكم العدل اللطيف الخبير جلَّ وعلا ـ عقوبة شديدة تُناسب جريمتهم. فسلبهم التصرف، ووضعهم من مقام الإنسانية إلى مقام أسفل منه كمقام الحيوانات، فأجاز بيعهم وشِراءهم، وغير ذلك من التصرفات المالية، مع أنه لم يسلبهم حقوق الإنسانية سلبًا كليًا. فأوجب على مالكيهم الرفق والإحسان إليهم، وأن يطعموهم مما يطعمون، ويكسوهم مما يلبسون، ولا يكلفوهم من العمل ما لا يطيقون، وإن كلفوهم أعانوهم. كما هو معروف في السنة الواردة عنه صلى الله عليه وسلم، مع الإيصاء عليهم في القرآن. كما في قوله تعالى:
وتشوف الشارع تشوفًا شديدًا للحرية والاخراج من الرق. فأكثر أسباب ذلك، كما أوجبه في الكفارات من قتل خطأ وظِهار ويمين وغير ذلك. وأوجب سراية العتق، وأمر بالكتابة في قوله:
فإن قيل: إذا كان الرقيق مسلمًا فما وجه ملكه بالرق؟ مع أن سبب الرق الذي هو الكفر ومحاربة الله ورسله قد زال؟
فالجواب: أن القاعدة المعروفة عند العلماء وكافة العقلاء: أن الحق السابق لا يرفعه الحق اللاحق، والأحقية بالأسبقية ظاهرة لا خفاء بها. فالمسلمون عندما غنموا الكفار بالسبي: ثبت لهم حق الملكية بتشريع خالق الجميع، وهو الحكيم الخبير. فإذا استقر هذا الحق وثبت، ثم أسلم الرقيق بعد ذلك كان حقه في الخروج من الرق بالإسلام مسبوقًا بحق المجاهد الذي سبقت له الملكية قبل الإسلام، وليس من العدل والإنصاف رفع الحق السابق بالحق المتأخر عنه. كما هو معلوم عند العقلاء. نعم، يحسن بالمالك ويجمل به: أن يعتقه إذا أسلم، وقد أمر الشارع بذلك ورغب فيه، وفتح له الأبواب الكثيرة كان قدمنا ـ فسبحان الحكيم الخبير
ومن هدي القرآن للتي هي أقوم: القصاص. فإن الإنسان إذا غضب وهم بأن يقتل إنسانًا آخر فتذكر أنه إن قتله قتل به، خاف العاقبة فترك القتل. فحيي ذلك الذي كان يريد قتله، وحيي هو. لأنه لم يقتل فيقتل قصاصًا. فقتل القاتل يحيا به ما لا يعلمه إلا الله كثرة كما ذكرنا. قال تعالى
ومن هدي القرآن للتي هي أقوم: قطع يد السارق المنصوص عليه بقوله تعالى:
وجمهور العلماء على أن القطع من الكوع، وأنها اليمنى. وكان ابن مسعود وأصحابه يقرؤون "فاقطعوا أَيمانهما".
والجمهور أنه إن سرق ثانيًا قطعت رجله اليسرى، ثم إن سرق فيده اليسرى، ثم إن سرق فرجله اليمنى، ثم يعزر. وقيل يقتل. كما جاء في الحديث: "ولا قطع إلا في ربْع دينار أو قيمته أو ثلاثة دراهم" كما هو معروف في الأحاديث.
وليس قصدنا هنا تفصيل أحكام السرقة. وشروط القطع، كالنصاب والإخراج من حرز. ولكن مرادنا أن نبين أن قطع يد السارق من هدي القرآن للتي هي أقوم. وذلك أن هذه اليد الخبيثة الخائنة، التي خلقها الله لتبطش وتكتسب في كل ما يرضيه من امتثال أوامره واجتناب نهيه، والمشاركة في بناء المجتمع الإنساني ـ فمدت أصابعها الخائنة، إلى مال الغير لتأخذه بغير حَق، واستعملت قُوة البطش المودعة فيها في الخيانة والغدر، وأخذ أموال الناس على هذا الوجه القبيح، يد نجسة قذرة، ساعية في الإخلال بنظام المجتمع. إذ لا نظام له بغير المال، فعاقبها خالِقها بالقطع والإزالة. كالعضو الفاسد الذي يجر الداء لسائر البدن، فإنه يزال بالكلية إبقاء على البدن، وتطهيرًا له من المرض. ولذلك فإن قطع اليد يطهر السارق من دنس ذنب ارتكاب معصية السرقة، مع الردع البالغ بالقطع عن السرقة. قال البخاري في صحيحه: "باب ـ الحدود كفَّارة" حدثنا محمد بن يوسف حدثنا ابن عيينة عن الزُّهري، عن أبي إدريس الخولاني، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: كنا عند النَّبي صلى الله عليه وسلم في مجلس، فقال: "بايعوني على أن لا تشركوا الله شيئًا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، وقرأ هذه الآية كلها، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب به فهو كفَّارته، ومن أصاب من ذلك شيئًا فستره الله عليه. إن شاء غفر له، وإن شاء عذَّبه. اهـ هذا لفظ البخاري في صحيحه. وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح "فهو كفارته" نص صريح في أن الحدود تطهر المرتكبين لها من الذنب.
والتحقيق في ذلك ما حققه بعض العلماء: من أن حقوق الله يطهر منها بإقامة الحد. وحق المخلوق يبقى. فارتكاب جريمة السرقة مثلًا يطهر منه بالحد، والمؤاخذة بالمال تبقى، لأن السرقة علة موجبة حكمين: وهما القطع، والغرم. قال في مراقي السعود: وذاك في الحكم الكثير أطلقه كالقطع مع غرم نصاب السرقه
مع أن جماعة من أهل العلم قالوا: لا يلزمه الغرم مع القطع. لظاهر الآية الكريمة: فإنها نصَّت على القطع ولم تذكر غرمًا.
وقال جماعة: يغرم المسروق مطلقًا، فات أو لم يفت، معسرًا كان أو موسرًا. ويتبع به دينًا إن كان معسرًا.
وقال جماعة: يرد المسروق إن كان قائمًا. وإن لم يكن قائمًا رد قيمته إن كان موسرًا، فإن كان معسرًا فلا شيء عليه ولا يتبع به دينًا.
والأول مذهب أبي حنيفة. والثاني مذهب الشافعي وأحمد. والثالث مذهب مالك. وقطع السارق كان معروفًا في الجاهلية فأقره الإسلام.
وعقد ابن الكلبي بابًا لمن قطع في الجاهلية بسبب السرقة، فذكر قصة الذين سرقوا غزال الكعبة فقطعوا في عهد عبد المطلب. وذكر ممن قطع في السرقة عوف بن عبد بن عمرو بن مخزوم، ومقيس بن قيس بن عدي بن سهم وغيرهما، وأن عوفًا السابق لذلك ـ انتهى.
وكان من هدايا الكعبة صورة غزالين من ذهب، أهدتهما الفرس لبيت الله الحرام، كما عقده البدوي الشنقيطي في نظم عمود النسب بقوله: ومن خباياه غزالًا ذهب اهدتهما الفرس لبيت العرب
وقال القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة: وقد قُطع السارق في الجاهلية، وأول من حكم بقطعه في الجاهلية الوليد بن المغيرة، فأمر الله بقطعه في الإسلام. فكان أول سارق قطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام من الرجال الخيار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف. ومن النساء مرة بنت سفيان بن عبد الأسد من بني مخزوم. وقطع أبو بكر يد اليمني الذي سرق العقد. وقطع عمر يد ابن سمرة أخي عبد الرحمن بن سمرة اهـ.
قال مقيده عفا الله عنه: ما ذكره القرطبي رحمه الله من أن المخزومية التي سرقت فقطع النَّبي صلى الله عليه وسلم يدها أولًا هي مرة بنت سفيان خلاف التحقيق. والتحقيق أنها فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، وهي بنت أخي أبي سلمة بن عبد الأسد الصحابي الجليل، الذي كان زوج أم سلمة قبل النَّبي صلى الله عليه وسلم. قتل أبوها كافرًا يوم بدر، قتله حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه. وقطع النَّبي صلى الله عليه وسلم يدها وقع في غزوة الفتح. وأما سرقة أم عمرو بنت سفيان بن عبد الأسد ابنة عم المذكورة، وقطع النَّبي صلى الله عليه وسلم يدها ففي حجة الوداع، بعد قصة الأولى بأكثر من سنتين.
فإن قيل: أخرج الشيخان في صحيحهما، وأصحاب السنن وغيرهم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم. وفي لفظ بعضهم قيمته ثلاثة دراهم. وأخرج الشيخان في صحيحهما، وأصحاب السنن غير ابن ماجه وغيرهم من حديث عائشة رضي الله عنها: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم "كان يقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدًا" والأحاديث بمثل هذا كثيرة جدًا، مع أنه عرف من الشرع أن اليد فيها نصف الدية، ودية الذهب ألف دينار. فتكون دية اليد خمسمائة دينار. فكيف تؤخذ في مقابلة ربع دينار؟ وما وجه العدالة والإنصاف في ذلك.
فالجواب ـ أن هذا النوع من اعتراضات الملحدين الذين لايؤمنون بالله ورسوله، هو الذي نظمه المعري بقوله: يد بخمس مئين عسجد وديت ما بالها قطعت في ربع دينار
وللعلماء عنه أجوبة كثيرة نظمًا ونثرًا. منها قول القاضي عبد الوهاب مجيبًا له في بحره ورويه: عز الأمانة أغلاها، وأرخصها ذل الخيانة، فافهم حكمة الباري
وقال بعضهم: لما خانت هانت. ومن الواضح: أن تلك اليد الخسيسة الخائنة لما تحملت رذيلة السرقة وإطلاق اسم السرقة عليها في شيء حقير كثمن المجن والأترجة، كان من المناسب المعقول أن تؤخذ في ذلك الشيء القليل، الذي تحملت فيه هذه الرذيلة الكبرى.
وقال الفخر الرازي في تفسير هذه الآية الكريمة: ثم إنا أجبنا عن هذا الطعن، بأن الشرع إنما قطع يده بسبب أنه تحمل الدناءة والخساسة في سرقة ذلك القدر القليل. فلا يبعد أن يعاقبه الشرع بسبب تلك الدناءة هذه العقوبة العظيمة اهـ.
فانظر ما يدعو إليه القرآن: من مكارم الأخلاق، والتنزُّه عما لا يليق، وقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدًا ـ يدل على أن التشريع السماوي يضع درجة الخائن من خمسمائة درجة إلى ربع درجة. فانظر هذا الحط العظيم لدرجته، بسبب ارتكاب الرذائل.
وقد استشكل بعض الناس قطع يد السارق في السرقة خاصة دون غيرها من الجنايات على الأموال، كالغصب، والانتهاب، ونحو ذلك.
قال المازري ومن تبعه: صان الله الأموال بإيجاب قطع سارقها، وخص السرقة لقلة ما عداها بالنسبة إليها، من الانتهاب والغصب، ولسهولة إقامة البينة على ما عدى السرقة بخلافها، وشدد العقوبة فيها ليكون أبلغ في الزجر. ولم يجعل دية الجناية على العضو المقطوع منها بقدر ما يقطع فيه حماية لليد. ثم لما خانت هانت. وفي ذلك إثارة إلى الشبهة التي نسبت إلى أبي العلاء المعري في قوله:
يد بخمس مئين عسجد وديت ما بالها قطعت في ربع دينار
فأجابه القاضي عبد الوهاب المالكي بقوله: صيانة العضو أغلاها وأرخصها حماية المال فافهم حكمة الباري
وشرح ذلك: أن الدية لو كانت ربع دينار لكثرت الجنايات على الأيدي. ولو كان نصاب القطع خمسمائة دينار لكثرت الجنايات على الأموال. فظهرت الحكمة في الجانبين، وكان في ذلك صيانة من الطرفين.
وقد عسر فهم المعنى المقدم ذكره في الفرق بين السرقة وبين النهب ونحوه على بعض منكري القياس فقال: القطع في السرقة دون الغصب وغيره غير معقول المعنى. فإن الغصب أكثر هتكًا للحرمة من السرقة، فدل على عدم اعتبار القياس. لأنه إذا لم يعمل به في الأعلى فلا يعمل به في المساوي.
وجوابه ـ أن الأدلة على العمل بالقياس أشهر من أن يتكلف لإيرادها. وستأتي الإشارة إلى شيء من ذلك في كتاب الأحكام. اهـ بواسطة نقل ابن حجر في فتح الباري.
قال مقيده عفا الله عنه: الفرق بين السرقة وبين الغصب ونحوه الذي أشار إليه المازري ـ ظاهر، وهو أن النهب والغصب ونحوهما قليل بالنسبة إلى السرقة، ولأن الأمر الظاهر غالبًا توجد البينة عليه بخلاف السرقة. فإن السارق إنما يسرق خفية بحيث لا يطلع عليه أحد، فيعسر الإنصاف منه. فغلظت عليه الجناية ليكون أبلغ في الزجر. والعلم عند الله تعالى.
ومن هدي القرآن للتي هي أقوم: رجم الزاني المحصن ذكرًا كان أو أنثى، وجلد الزاني البكر مائة جلدة ذكرًا كان أو أُنثى.
أما الرجم ـ فهو منصوص بآية منسوخة التلاوة باقية الحكم، وهي قوله تعالى: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالًا من الله والله عزيز حكيم".
وقد قدمنا ذم القرآن للمعرض عما في التوراة من حكم الرجم. فدل القرآن في آيات محكمة ـ كقوله
وما ذكرنا من أن حكم الرجم ثابت بالقرآن لا ينافي قول علي رضي الله عنه، حين رجم امرأة يوم الجمعة: "رجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم". لأن السنة هي التي بينت أن حكم آية الرجم باق بعد نسخ تلاوتها.
ويدل لذلك قول عمر رضي الله عنه في حديثه الصحيح المشهور: "فكان مما أنزل إليه آية الرجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده.." الحديث.
والملحدون يقولون: إن الرجم قتل وحشي لا يناسب الحكمة التشريعية، ولا ينبغي أن يكون مثله في الأنظمة التي يعامل بها الإنسان. لقصور إدراكهم عن فهم حكم الله البالغة في تشريعه.
والحاصل ـ أن الرجم عقوبة سماوية معقولة المعنى. لأن الزاني لما أدخل فرجه في فرج امرأة على وجه الخيانة والغدر، فإنه ارتكب أخس جريمة عرفها الإنسان بهتك الأعراض، وتقذير الحُرمات، والسعي في ضياع أنساب المجتمع الإنساني. والمرأة التي تطاوعه في ذلك مثله. ومن كان كذلك فهو نجس قذر لا يصلح للمصاحبة. فعاقبه خالقه الحكيم الخبير بالقتل ليدفع شره البالغ غاية الخبث والخسة، وشر أمثاله عن المجتمع. ويطهره هو من التنجيس بتلك القاذورة التي ارتكب، وجعل قتلته أفظع قتلة. لأن جَرِيمته أفظع جريمة ـ والجزاء من جنس العمل.
وقد دل المطهر على أن إدخال الفرج في الفرج المأذون فيه شرعًا يوجب الغسل، والمنع من دخول المسجد على كل واحد منهما حتى يغتسل بالماء. فدل ذلك أن ذلك الفعل يتطلب طهارة في الأصل، وطهارته المعنوية إن كان حرامًا قتل صاحبه المحصن. لأنه إن رجم كفر ذلك عنه ذنب الزنى، ويبقى عليه حق الآدمي. كالزوج إن زنى بمتزوجة، وحق الأولياء في إلحاق العار بهم كما أشرنا له سابقًا. وشدة قبح الزنى أمر مركوز في الطبائع، وقد قالت هند بنت عتبة وهي كافرة: ما أقبح ذلك الفعل حلالًا! فكيف به وهو حرام? وغلظ جلَّ وعلا عقوبة المحصن بالرجم تغليظًا أشد من تغليظ عقوبة البكر بمائة جلدة. لأن المحصن قد ذاق عُسَيْلة النساء، ومن كان كذلك يعسر عليه الصبر عنهن. فلما كان الداعي إلى الزنى أعظم، كان الرادع عنه أعظم وهو الرجم.
وأما جلد الزاني البكر ذكرًا كان أو أنثى مائة جلدة ـ فهذا منصوص بقوله تعالى
وتشريع الحكيم الخبير جلَّ وعلا ـ مشتمل على جميع الحكم من درء المفاسد وجلب المصالح، والجري على مكارم الأخلاق، ومحاسن العادات، ولا شك أن من أقوم الطرق معاقبة فظيع الجناية بعظيم العقاب جزاءً وفاقًا.
ومن هدي القرآن للتي هي أقوم: هديه إلى أن التقدم لا ينافي التمسك بالدين. فما خيله أعداء الدين لضعاف العقول ممن ينتمي إلى الإسلام: من أن التقدم لا يمكن إلا بالانسلاخ من دين الإسلام ـ باطل لا أَساس له، والقرآن الكريم يدعو إلَى التقدم في جميع الميادين التي لها أهمية في دنيا أو دين. ولكن ذلك التقدم في حدود الدين، والتحلي بآدابه الكريمة، وتعاليمه السماوية. قال تعالى:
وقد ثبت في صحيح البخاري عن مجاهد أنه سأل ابن عباس رضي الله عنهما من أين أخذت السجدة "في ص?" فقال: أو ما تقرأ
فدل ذلك على أنا مخاطبون بما تضمنته الآية مما أمر به داود. فعلينا أن نستعد لكفاح العدو مع التمسك بديننا، وانظر قوله تعالى:
ومن أوضح الأدلة في ذلك قوله تعالى:
فإن الوجود والعدم لا يجتمعان في شيء واحد في وقت واحد من جهة واحدة، وكذلك الحركة والسكون مثلًا. وكذلك الأبوة والبنوة. فكل ذات ثبتت لها الأبوة لذات استحالت عليها النبوة لها، بحيث يكون شخص أبًا وابنًا لشخص واحد. كاستحالة اجتماع السواد والبياض في نقطة بسيطة، أو الحركة والسكون في جرم. وكذلك البصر والعمى لا يجتمعان.
فخيلوا لهم أن التقدم والتمسك بالدين متباينان تباين مقابلة، بحيث يستحيل اجتماعهما. فكان من نتائج ذلك انحلالهم من الدين رغبة في التقدم. فخسروا الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين.
والتحقيق ـ أن النسبة بين التقدم والتمسك بالدين بالنظر إلى العقل وحده، وقطع النظر عن نصوص الكتاب والسنة ـ إنما هي تباين المخالفة، وضابط المتباينين تباين المخالفة أن تكون حقيقة كل منهما في حد ذاتها تباين حقيقة الآخر، ولكنهما يمكن اجتماعهما عقلًا في ذات أخرى. كالبياض والبرودة، والكلام والقعود، والسواد والحلاوة.
فحقيقة البياض في حد ذاتها تباين حقيقة البرودة، ولكن البياض والبرودة يمكن اجتماعها في ذات واحدة كالثلج. وكذلك الكلام والقعود فإن حقيقة الكلام تباين حقيقة القعود، مع إمكان أن يكون الشخص الواحد قاعدًا متكلمًا في وقت واحد. وهكذا. فالنسبة بين التمسك بالدِّين والتقدم بالنظر إلى حكم العقل من هذا القبيل، فكما أن الجرم الأبيض يجوز عقلًا أن يكون باردًا كالثلج، والإنسان القاعد يجوز عقلًا أن يكون متكلمًا، فكذلك المتمسك بالدين يجوز عقلًا أن يكون متقدمًا. إذ لا مانع في حكم العقل من كون المحافظ على امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه، مشتغلًا في جميع الميادين التقدمية كما لا يخفَى، وكما عرفه التاريخ للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن تبعهم بإحسان. أما بالنظر إلى نصوص الكتاب والسنة كقوله تعالى:
فإن النسبة بين التمسك بالدين والتقدم، كالنسبة بين الملزوم ولازمه. لأن التمسك بالدين ملزوم للتقدم، بمعنى أنه يلزم عليه التقدم، كما صرحت به الآيات المذكورة. ومعلوم أن النسبة بين الملزوم ولازمه لا تعدو أحد أمرين: إما أن تكون المساواة أو الخصوص المطلق، لأن الملزوم لا يمكن أن يكون أعم من لازمه. وقد يجوز أن يكون مساويًا له أو خص منه، ولا يتعدى ذلك. ومثال ذلك: الإنسان مثلًا، فإنه ملزوم للبشرية الحيوانية، بمعنى أن الإنسان يلزم على كونه إنسانًا أن يكون بشرًا وأن يكون حيوانًا، وأحد هذين اللازمين مساو له في الماصدق وهو البشر. والثاني أعم منه ما صدقًا وهو الحيوان، فالإنسان أخص منه خصوصًا مطلقًا كما هو معروف.
فانظر كيف خيلوا لهم أن الربط بين الملزوم ولازمه كالتنافي الذي بين النقيضين والضدين. وأطاعوهم في ذلك لسذاجتهم وجهلهم وعمى بصائرهم، فهم ما تقولوا على الدين الإسلامي ورموه بما هو منه بريء إلا لينفروا منه ضعاف العقول ممن ينتمي للإسلام ليمكنهم الاستيلاء عليهم، لأنهم لو عرفوا الدِّين حقًا واتبعوه لفعلوا بهم ما فعل أسلافهم بأسلافهم، فالدين هو هو، وصلته بالله هي هي، ولكن المنتسبين إليه في جل أقطار الدنيا تنكروا له، ونظروا إليه بعين المقت والازدراء. فجعلهم الله أرقاء للكفرة الفجرة. ولو راجعوا دينهم لرجع لهم عزهم ومجدهم، وقادوا جميع أهل الأرض. وهذا مما لا شك فيه
ومن هدي القرآن للتي هي أقْوَم ـ بيانه أنه كل من اتبع تشريعًا غير التشريع الذي جاء به سيد ولد آدم محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه. فاتباعه لذلك التشريع المخالف كفر بواح، مخرج عن الملة الإسلامية. ولما قال الكفار للنبي صلى الله عليه وسلم: الشاة تصبح ميتة من قتلها؟ فقال لهم: "الله قتلها" فقالوا له: ما ذبحتم بأيديهم حلال، وما ذبحه الله بيده الكريمة تقولون إنه حرام? فأنتم إذن أحسن من الله؟ ـ أنزل الله فيهم قوله تعالى:
إذ لو كانت الجملة جوابًا للشرط لاقترنت بالفاء على حد قوله في الخلاصة أيضًا: واقرن بفا حتمًا جوابًا لو جعل شرطًا لأن أو غيرها لم ينجعل
فهو قسم من الله جلَّ وعلا أقسم به على أن من اتبع الشيطان في تحليل الميتة أنه مشرك، وهذا الشرك مخرج عن الملة بإجماع المسلمين، وسيوبخ الله مرتكبه يوم القيامة بقوله:
والعجب ممن يحكم غير تشريع الله ثم يدعي الإسلام. كما قال تعالى:
ومن الآيات الدالة على أن الرابطة الحقيقية هي الدين، وأن تلك الرابطة تتلاشى معها جميع الروابط النسبية والعصبية: قوله تعالى
فهذه الآيات وأمثالها تدل على أن النداء برابطة أخرى غير الإسلام كالعصبية المعروفة بالقومية ـ لا يجوز، ولا شك أنه ممنوع بإجماع المسلمين.
ومن أصرح الأدلة في ذلك: ما رواه البخاري في صحيحه قال: باب قوله تعالى:
رجلًا من الأنصار. فقال الأنصاري: يا للأنصار?! وقال المهاجري: يا للمهاجرين?! فسمَّعها الله رسوله قال: "ما هذا"؟ فقالوا: كسع رجل من المهاجرين رجلًا من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: "دعوها فإنها منتنة" الحديث. فقول هذا الأنصاري: يا للأنصار، وهذا المهاجري: يا للمهاجرين ـ هو النداء بالقومية العصبية بعينه، وقول النَّبي صلى الله عليه وسلم: "دعوها فإنها منتنة" يقتضي وجوب ترك النداء بها. لأن قوله "دعوها" أمر صريح بتركها، والأمر المطلق يقتضي الوجوب على التحقيق كما تقرر في الأصول. لأن الله يقول:
فدل هذا الحديث الصحيح على أن النداء برابطة القومية مخالف لما أمر به النَّبي صلى الله عليه وسلم، وأن فاعله يتعاطى المنتن، ولا شك أن المنتن خبيث، والله تعالى يقول: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ}، ويقول:
وقد عرفت وجه لدلالة هذا الحديث على التحريم، مع أن في بعض رواياته الثابتة في الصحيح التصريح بأن دعوى الرجل: "يا لبني فلان" من دعوى الجاهلية. وإذا صح بذلك أنها من دعوى الجاهلية فقد صح عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية". وفي رواية في الصحيح: "ليس منا من ضرب الخدود، أو شق الجيوب، أو دعا بدعوى الجاهلية"، وذلك صريح في أن من دعا تلك الدعوى ليس منا، وهو دليل واضح على التحريم الشديد. ومما يدل لذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "من تعزى عليكم بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا" هذا حديث صحيح، أخرجه الإمام أحمد من طرق متعددة عن عتي بن ضمرة السعدي، عن أبي بن كعب رضي الله عنه، وذكره صاحب الجامع الصغير بلفظ "إذا سمعتم من يعتزي بعزاء الجاهلية فأعضوه ولا تكنوا" وأشار لأنه أخرجه أحمد في المسند، والنسائي وابن حبان، والطبراني في الكبير، والضياء المقدسي عن أُبي رضي الله عنه، وجعل عليه علامة الصحة. وذكره أيضًا صاحب الجامع الصغير بلفظ "إذا رأيتم الرجل يتعزى.." الخ، وأشار إلى أنه أخرجه الإمام أحمد في المسند والترمذي، وجعل عليه علامة الصحة. وقال شارحه المناوي: ورواه عنه أيضًا الطبراني، قال الهيتمي: ورجاله ثقات، وقال شارحه العزيزي: هو حديث صحيح. وقال فيه الشيخ إسماعيل بن محمد العجلوني في كتابه (كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس) قال النجم: رواه أحمد والنسائي وابن حبان عن أبي بن كعب رضي الله عنه. ومراده بالنجم: الشيخ محمد نجم الدين الغزي في كتابه المسمى (إتقان ما يحسن من الأخبار الدائرة على الألسن) فانظر كيف سمى النَّبي صلى الله عليه وسلم ذلك النداء "عزاء الجاهلية" وأمر أن يقال للداعي به "اعضض على هن أبيك" أي فرجه، وأن يصرح له بذلك ولا يعبر عنه بالكتابة. فهذا يدل على شدة قبح هذا النداء، وشدة بغض النَّبي صلى الله عليه وسلم له.
واعلم أن رؤساء الدعاة إلى نحو هذه القومية العربية: أبو جهل، وأبو لهب، والوليد بن المغيرة، ونظراؤهم من رؤساء الكفرة.
وقد بين تعالى تعصبهم لقوميتهم في آيات كثيرة. كقوله:
واعلم أنه لا خلاف بين العلماء ـ كما ذكرنا آنفًا ـ في منع النداء برابطة غير الإسلام. كالقوميات والعصبيات النسبية، ولا سيما إذا كان النداء بالقومية يقصد من وَرائه القضاء على رابطة الإسلام وإزالتها بالكلية. فإن النداء بها حينئذ معناه الحقيقي: أنه نداء إلى التخلي عن دين الإسلام، ورفض الرابطة السماوية رفضًا باتًا، على أن يعتاض من ذلك روابط عصبية قومية، مدارها على أن هذا من العرب، وهذا منهم أيضًا مثلًا. فالعروبة لا يمكن أن تكون خلفًا من الإسلام. واستبدالها به صفقة خاسرة. فهي كما قال الراجز: بدلت بالجمة رأسًا أزعرا وبالثنايا الواضحات الدردرا
كما اشترى المسلم إذ تنصَّرا
وقد علم في التاريخ حال العرب قبل الإسلام وحالهم بعده كما لا يخفى.
وقد بين الله جلَّ وعلا في محكم كتابه: أن الحكمة في جعله بني آدم شعوبًا وقبائل هي التعارف فيما بينهم. وليست هي أن يتعصب كل شعب على غيره، وكل قبيلة على غيرها. قال جلَّ وعلا:
|